
ويبقى الود دكتور عمر كابو يكتب: عثمان الشريف : رؤية قانونية غاية الأهمية..
خصني العالم الجليل والمحامي الكبير.. أبرز المحامين المتخصصين في نزعات ذات صبغة وصلة ((بالقانون البحري)) سعادة مولانا : عثمان محمد الشريف الأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب/ نقيب المحامين السودانيين برسالة مثلت رؤيته القانونية سردًا تاريخيًا للتطور القانوني الذي شهدته البلاد فيما يلي وضع المحكمة الدستورية.. أستاذنته لأهمية الموضوع بنشر مشاركته في أحد القروبات القانونية التي جمعت رموزنا القانونية من معاشي الهيئة القضائية ،،قضاة أنقياء أتقياء قدموا سفرًا من عطاء واسهام كبير..
يسعدني ويشرفني أن أقوم بنشر مداخلته الرصينة في هذه المساحة من ((ويبقى الود)) نشدًا للصالح العام فإلي مضابط رسالته الهامة التي جاءت كما يلي :—
لكم التحية والتقدير مولانا د عوض النور ومولانا د محمد أحمد سالم والشكر لمولانا نادية عمار التى ابتدرت النقاش حول القضاء الدستورى — دائرةً بالمحكمة العليا أم محكمةً دستوريةً ؟!
أويد استمرار المحكمة الدستورية لان إنشاءها كمحكمة مستقلة كان نتيجةً مباشرة للتطور الدستورى السودانى فضلا عن أن إنشاءها كمحكمة مستقلة لا ينتقض من مبدأ استقلال وليس خصما على استقلال السلطة القضائية .
الدستور الدائم ١٩٩٨ً ألذى نص على إنشاء هذه المحكمة كان - بحق - تطورٌ دستوريْ. لافتْ لأنه جاء متقدماً على الدستور الدئم ١٩٧٣ ( ألذى صدر إستجابةًً لمستحقات اتفاقية ١٩٧٢ ) و على جميع دساتير السودان الإنتقالية المتعاقبة والمراسيم الدستورية منذ قانون الحكم الذاتى ١٩٥٣ الذى عنى ببعض المسائل الدستورية الضرورية لحكم السودان المستقل بما امكن القول بانه اول دستورٍ للسودان
.
تأسس الدستور الدائم ١٩٩٨ على فقهٍ دستوريٍ قويمٍ و معرفةٍ جيدةٍ لقضايا السودان
و قد كانت مبادئ واحكام وفقه هذا الدستور سنداً لرؤية حكومة السودان فى مفاوضات اتفاقية السلام ٢٠٠٣ بين رؤية الحركةً الشعبية وحكومة السودان . وأرى - بكل تواضع - أن هذة الاتفاقية حققت توازناً عادلٍاً بين حقوق الطرفين و اجماعاًً غالباً لأهل السودان على الدستور الانتقالى ٢٠٠٥ الذى صدر إنفاذاً لهذه أ لاتفاقية .
لذا ، فإن المحكمة الدستورية - كقضاءٍ مستقلٍ - أصبحت بمقتضى دستور ١٩٩٨ ودستور ٢٠٠٥ اللاحق ضرورةً اقتضاها التطور الدستوري فى السودان .
جدير بالملاحظة أن دائرة المحكمة العليا للقضايا والمنازعات الدستورية لا سند لها من قانونٍ موضوعىٍ او نصٍٍ دستوريٍ لإنشائها بخلاف قانون الإجراءات المدنية الذى نظمها دائرةً من دوائر المحكمة العليا للفصل فى المنازعات الدستورية .
وبما ان كثيراً من التعديلات قد جرت على قانون الإجراءات المدنية حيث تم استبعاد النصوص الاجرائية للطعن ضد القرارات الادارية إلى قانونٍٍ موضوعىٍ للقضاء الادارىً والنصوص الإجرائية للتحكيم الى قانون موضوعى للتحكيم جاء مهتدياً بالقانون النموذجي للتحكيم ١٩٨٥ متضمنا احكام اتفاقية نيويورك للاعتراف بأحكام المحكمين الأجنبية لسنة ١٩٥٨ و فى سياق الاعتراف الدولى بالتحكيم كقضاءٍ رضائيٍ مستقلٍ عن قضاء المحاكم الرسمية بالسودان .
ولئن كان ماسبق ضرورةٌ اقتضاها التطور القانونى لتحقيق العدالة ، فإنه يمكننا القول بان استمرار المحكمة الدستورية ضرورة اقتضاها التطور الدستورى فى السودان .
ولعله مما لاخلاف فيه ، ان إلغاء المحكمة الدستورية يستوجب إلغاء الاحكام والنصوص الدستورية ذات الصلة وهى ما انتهت اليه الوثيقة الدستورية ٢٠١٩ ، فضلاً عن ان إلغاء هذه المحكمة لا يحترم المفاهيم الدستورية التىً انتهى اليها التطور الدستورى بتشريع دستور ١٩٩٨ ودستور ٢٠٠٥ ودأب عليها الدستور الحالى — الوثيقة الدستورية التى استمرار المحكمة الدستورية قضاءاً مستقلاً عن السلطة القضائية بكامل سلطاتها وصلاحياتها المنصوص عليها فى قانونها والدستور الانتقالى ٢٠٠٥.
ومن جانب آخر ، فإن توقف المحكمة الدستورية عن ممارسة أعمالها لإنتهاء خدمة قضاتها بدون حلها يؤدى إلى عدم وجود القضاء بالنظر والفصل فى المنازعات الدستورية لان دائرة المحكمة العليا قد ألغيت بصدور قانون المحكمة الدستورية .
ولا ضير فى تقديرى من سلطة المحكمة الدستورية فى التدخل فى احكام المحكمة العليا النهائية فى حال ثبوت انتهاك الحكم لحقٍ دستوريٍ أو مخالفة ٍللدستور . وذلك للتأكيد على مبدأ صيانة الدستور وحراسته .
ولعله مما لا خلاف حوله انه جميع المحاكم معنية وملزمة باحترام الدستور فلا تسمح باى حكم مخالف للدستور .
إن إلغاء اى عمل مخالف للدستور يؤكد سيادة الدستور واحترامه ،وبما انه يتعين على الكافة الإلتزام بالدستور وحمايته فمن باب أولى المحاكم .
وفى هذا السياق ، نثمن عالياً مقالة قاضى المحكمة الدستورية مولانا العالم عبد الرحمن يعقوب التى ابان فيها بوضوح تام ان تدخل المحكمة فى احكام القضاء لم يتم إلا بثبوت انتهاك الحكم للدستور كعملٍ من الأعمال المخالفة للدستور ينبغى على المحكمة وسائر المحاكم والكافة عدم قبوله .
وفى هذا الصدد ، ارجو ان أضيف إلى السوابق التى أشارت اليها مقالته سابقة المحكمة الدستورية برئاسة مولانا عبد الله الأمين عليه رحمة الله ( والتى كنت أمثل فيها الطاعن ) وقد قضت فيها المحكمة بقبول الدعوى وإلغاء حكم دائرة المراجعة لسبب انه قد صدر دون إتاحة حق المراجع ضدة فى الرد على طلب المراجعة ، اى انً الحكم قد انتهك حق المراجع صده فى السماع العادل ألذى كفله الدستور للتأكيد على المحاكمة العادلة .
وهنا نرجو ان نشير إلى ان القانون السودان قد امن على كفالة حق الدفاع فى حالات عديدةٍ نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر تنفيذ الحكم الأجنبي واحكام التحكيم الأجنبية بواسطة المحاكم السودانية . إذ لا يصح التنفيذ ما لم تتحقق المحكمة السودانية من ان المحكوم عليه قد تم إعلانه اعلاناً قانونياً صحيحا لممارسة حقه فى الدفاع . و بوجهٍ عامٍ فان القانون السودانى يوجب بطلان حكم التحكيمً إذا ثبت عدم إعلان المحكوم عليه اعلانا صحيحاً .
و لتأكيد احترام وتنفيذ أحكام المحكمة الدستورية فقد قررت ان عدم تنفيذ أحكامها يقع تحت طائلة جرائمة ازدراء أو إهانة المحكمة بحسبان ان عدم التنفيذ -بذاته - عمل مخالف للدستور . وهذا - بحسب علمى - ما تقرره المحاكم الإنجليزية .
وحقيقةً ، فان عدم الانصياع لحكم المحاكم بوجه عام ينم على عدم الاحترام فما بالكم بالحكم الدستورى بحماية حق دستوري أو بمنع أو وقف اى عمل مخلٍ أو مخالفٍ للدستور . .
نخلص مما سبق ، إلى ان ممارسة المحكمة الدستورية أعمالها ضرورةً لا غناء عنها لحماية الدستور والحقوق الدستورية ومن قبل لتأكيد استقلال القضاء بحسبان أن هذه المحكمة قد انشئت بموجب احكام الدستور السودانى ١٩٩٨ وأكدتها الوثيقة الدستورية ٢٠١٩ .
عثمان محمد الشريف
مشاركة الخبر علي :