
*م. أحمد الدفينة* يكتب: *السودان بعد الحرب: الفرص والتحديات* *الجزء الثالث: الفساد والمحسوبية في وزارة الخارجية.. كبح النفوذ واستعادة المهنية*
لطالما كانت وزارة الخارجية السودانية أحد أعمدة السيادة والمعبر الأول عن موقف الدولة أمام العالم. لكنها كغيرها من مؤسسات الخدمة المدنية لم تكن بمنأى عن الإختلالات العميقة التي عصفت بجهاز الدولة خلال العقود الماضية وفي مقدمتها (الفساد، والمحسوبية، وتسييس التعيينات).
اليوم وفي ظل ما يشهده السودان من تحولات كبرى في الحرب فإن تطهير وزارة الخارجية من هذه التشوهات لا يعد خيارا إصلاحيا فقط بل ضرورة سيادية لضمان تمثيل مهني حقيقي يحفظ مصالح الدولة ويعبر عن تطلعات الشعب.
*المحسوبية في التوظيف الدبلوماسي: استثمار سياسي أم فساد إداري؟*
من أبرز مظاهر الخلل التي ابتليت بها الوزارة تحول بعض البعثات إلى مكافآت سياسية أو أدوات ترضية حزبية، وقد انعكس ذلك في:
• تعيينات دبلوماسية تفتقر للحد الأدنى من الكفاءة أو الخبرة.
• تجاوز الكوادر المؤهلة داخل الوزارة لصالح المحسوبين على السلطة.
• ضعف الأداء الخارجي في ملفات حيوية نتيجة غياب المهنية والاستعداد الحقيقي.
وبفعل هذا التراكم فقد السودان قدرا كبيرا من وزنه الدبلوماسي وتراجعت فعالية بعثاته بل وأصبح بعضها عبئا على الدولة لا رصيدا لها.
*الفساد الإداري والمالي في البعثات: غياب الرقابة والمساءلة*
بعض التقارير الرقابية والمعلومات غير الرسمية أشارت إلى:
• اختلالات مالية في بعض البعثات نتيجة ضعف الإشراف المركزي.
• تضخم النفقات التشغيلية دون مردود واضح.
• استغلال المواقع الدبلوماسية في أعمال تجارية أو وساطة غير مشروعة.
• تلاعب في ملفات التأشيرات والتوصيات الرسمية ما أساء لصورة السودان في عدة عواصم.
كل ذلك في ظل ضعف آليات التفتيش والمحاسبة وتآكل الانضباط المؤسسي ما يبرز الحاجة إلى تدخل جاد يعيد الاعتبار للعمل الدبلوماسي.
*خارطة طريق للإصلاح: من التنظيف إلى التأسيس*
لمعالجة هذه التحديات واستعادة ثقة الداخل والخارج هناك خطوات أساسية يجب اعتمادها:
1. تدقيق شامل لكوادر الوزارة والسفارات لتقييم الكفاءة والإلتزام المهني بعيدا عن الولاءات السياسية.
2. إعادة هيكلة لجهاز الوزارة والبعثات تتضمن استعادة المسارات المهنية الواضحة للترقي.
3. إنشاء هيئة رقابة دبلوماسية مستقلة تقوم بالتفتيش والمساءلة على الأداء المالي والإداري.
4. إلغاء نظام الترضيات والتعيينات السياسية خارج السلك المهني إلا في حدود ضيقة تخضع لمعيار الكفاءة.
5. إقرار ميثاق أخلاقي ملزم للدبلوماسيين السودانيين يشمل النزاهة والشفافية والتمثيل الوطني المسؤول.
*الخارجية كأداة بناء لا وسيلة امتياز*
الوزارة التي يفترض أن تعكس سيادة الدولة ومهنيتها لا يمكن أن تبقى رهينة المحاصصات أو مرتعا للامتيازات فالتمثيل الخارجي تكليف وطني لا ترف شخصي.
ومتى ما تم فصل الشأن السياسي عن التعيين الإداري وفرضت معايير النزاهة والمهنية فإن وزارة الخارجية ستستعيد تدريجيا دورها كقوة ناعمة فاعلة لا واجهة صامتة.
*خاتمة: لا إصلاح سياسي دون تطهير إداري*
إن مكافحة الفساد والمحسوبية داخل وزارة الخارجية ليست معركة فنية فقط بل هي ركن من أركان إصلاح الدولة السودانية بعد الحرب. لأن دبلوماسيا فاسدا واحدا أو مسؤولا غير مؤهل قد يكلف السودان تحالفا أو صفقة أو صورة في الإعلام الدولي.
وإذا أراد السودان أن يبدأ من جديد فليبدأ بإعادة بناء مؤسسات تمثله بمهنية واستقامة وعلى رأسها وزارة الخارجية.
*م. أحمد الدفينة*
*رئيس قوى الوفاق الوطني (وطن)*
*22 يوليو 2025م*
مشاركة الخبر علي :