
نفاد الغذاء وارتفاع الوفيات بفعل “سياسة التجويع” التى تنتهجها المليشيا .. الفاشر تحت الحصار..الجوع يفتك بالمدنيين
تقرير:رحمة عبدالمنعم
المدينة تواجه خطر المجاعة في ظل حصار مليشيا الدعم السريع..
المواطنون يقتاتون (علف الأمباز) بعد نفاد الغذاء..
ارتفاع سعر جوال الدخن إلى 4.3 مليون جنيه سوداني..
نفاد السلع الغذائية وخدمات الصحة في مخيم أبو شوك..
تزايد حالات سوء التغذية والوفيات وسط الأطفال والنازحين
الجوع يحصد الأرواح في أبوشوك مع ارتفاع الوفيات إلى أربعة أسبوعياً..
انهيار إمدادات المياه بسبب شح الوقود وتوقف الآبار
المطابخ الجماعية عاجزة عن توفير الطعام للنساء والأطفال..
تقرير : رحمة عبدالمنعم
في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، تتصاعد مأساة إنسانية ثقيلة الوطأة، يئن تحتها مئات الآلاف من المدنيين المحاصرين ، فبينما تتضاءل فرص النجاة في ظل نفاد الغذاء والدواء وشح المياه، تسود حالة من الخوف والجوع داخل مخيمات النزوح وفي قلب المدينة، حيث يفرض الحصار الذي تفرضه مليشيا الدعم السريع واقعاً مروّعاً، تتداخل فيه صور الموت البطيء مع مشاهد القهر الجماعي،ومع تزايد التحذيرات من مجاعة وشيكة، يتحول الجوع إلى أداة حرب، والسكان العزّل إلى أهداف في معركة لا ترحم.
حصار خانق..
وفي ظل حصار خانق تفرضه مليشيا الدعم السريع، تقف مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، على حافة كارثة إنسانية غير مسبوقة، وسط تحذيرات متصاعدة من منظمات المجتمع المدني وغرف الطوارئ المحلية من “موت بطيء” يهدد حياة مئات الآلاف من المدنيين، لاسيما في مخيم أبوشوك للنازحين.
فقد أعلنت غرفة طوارئ مخيم أبو شوك، أمس السبت ، نفاد السلع الغذائية الأساسية من الأسواق المحلية، إلى جانب انهيار شبه تام في خدمات المياه والرعاية الصحية، وارتفاع مهول في أسعار الحبوب الغذائية، حيث بلغ سعر جوال الدخن 4.3 مليون جنيه سوداني، وهو رقم يفوق القدرة الشرائية لغالبية سكان المخيم والمجتمع المحلي المحاصر.
في بيانها، حذرت غرفة طوارئ أبو شوك من تزايد حالات سوء التغذية، خاصة وسط الأطفال، وسط غياب شبه كامل لأي تدخلات غذائية أو صحية، وأضافت أن إمدادات المياه قد نفدت نتيجة شح الوقود وتوقف معظم الآبار، بينما تواجه عشرات الآلاف من العائلات أوضاعًا اقتصادية واجتماعية مأساوية في المخيم وداخل مدينة الفاشر نفسها.
ووفقاً للتقارير المحلية، ارتفع متوسط الوفيات الأسبوعية في مخيم أبوشوك إلى أربعة أشخاص، في ظل غياب المرافق الصحية والمساعدات الطبية، في وقت تتفاقم فيه الكارثة بسبب الحصار المستمر الذي تفرضه مليشيا الدعم السريع على المدينة
نداءات استغاثة
وكان متطوعون قد أطلقوا نداءات استغاثة، أول امس الأول الجمعة، أشاروا فيها إلى نفاد السلع التي تعتمد عليها المطابخ الجماعية في توفير الطعام للنساء والأطفال، مع اشتداد الحصار وإغلاق جميع المنافذ المؤدية إلى الفاشر .
ويؤكد المتطوعون أن 90% من السلع الغذائية نفدت من السوق الرئيسي، في حين فشلت الحكومة المحلية في توفير الإمدادات الغذائية عبر الإسقاط الجوي منذ مارس الماضي، ما زاد من تفاقم الأزمة.
وأظهر مقطع فيديو متداول على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مشاهد مروعة لمواطنين من الفاشر يتناولون علف “الأمباز” – المخصص في الأصل لتغذية الحيوانات – بعد أن أصبحت المواد الغذائية الأساسية في عداد المفقودات.
جريمة متعمدة
وفي السياق ذاته، أصدرت تنسيقية لجان المقاومة بالفاشر بيانًا شديد اللهجة، اتهمت فيه مليشيا الدعم السريع باتباع سياسة تجويع ممنهجة لتركيع سكان المدينة، وجاء في البيان:
“في الوقت الذي يئن فيه آلاف المدنيين تحت وطأة الجوع، يحاول البعض تصوير ما يحدث على أنه مجرد أزمة إنسانية أو نتيجة طبيعية للحرب، لكن الحقيقة مختلفة: ما يحدث في الفاشر هو جريمة متعمدة يقف خلفها طرف محدد وواضح هو مليشيا الدعم السريع.”
وأضاف البيان أن المليشيا قامت بإغلاق كل الطرق المؤدية إلى المدينة، ومنعت دخول المواد التموينية والدوائية، وأحرقت عربات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، بل قتلت حتى الدواب التي كانت تُستخدم لنقل الطعام في المسارات الوعرة، وأطلقت النار على من يحاول إدخال أي مواد غذائية أو دوائية.
وخلص البيان إلى أن هذه ليست مجرد كارثة طبيعية بل عملية تجويع متعمدة وممنهجة تستهدف الأطفال والنساء وكبار السن، كوسيلة لإخضاع السكان وفرض السيطرة العسكرية والسياسية.
صمت دولي
ويرى مراقبون أن ما يحدث في مدينة الفاشر اليوم هو نموذج واضح لاستخدام الجوع كسلاح حرب، الحصار الممنهج، وإغلاق المنافذ، واستهداف الإمدادات، كلها ممارسات تجعل من الفاشر منطقة منكوبة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
وفي ظل هذا الوضع الكارثي، تتضاءل فرص النجاة لسكان المدينة الذين تُركوا لمصيرهم في مواجهة المجاعة والمرض، وبينما تتواصل حملات جمع التبرعات التي يقودها متطوعون على الشبكات الاجتماعية، تبقى الحاجة ماسة إلى تحرك عاجل من المنظمات الدولية والدول المانحة، لكسر الحصار وتوفير الحد الأدنى من مقومات الحياة.
وفي مواجهة هذا الجحيم المفتوح، لا تملك الفاشر سوى الصمود،لكن صمود المدنيين وحده لا يكفي في ظل صمت دولي مريب وتجاهل لمعاناة الأبرياء، إنها لحظة الحقيقة للمجتمع الإنساني العالمي:هل ستسمحون بأن تتحول الفاشر إلى مقبرة جماعية بالصمت؟أم ستتحرك الضمائر قبل أن ينفد ما تبقى من حياة في هذا الركن المنسي من السودان؟.
مشاركة الخبر علي :