
الجيلي ابوالمُثني يكتب: ودالشول اذهل العقول
من اكبر أطباء السودان في تخصصه الذي برع فيه بجدارة يُكاد أصغرهم سناً ضمن المجموعة التي تتضمن عدد ثلاثة وعشرين طبيب فقط في هذا المجال في السودان قدم كثير من الأوراق العلمية التي وجدت حظها في المؤتمرات الدولية لم يترك مؤتمر علمي في الإقليم او العالم إلا كان حاضراً وأدلي بدلوه ووثق مشاركته بورقةً علمية ودائماً ما يُحالفه الحظ وتُعتمد أوراقه في الموتمر وهذا من توفيق الله له فهو طبيب وعالم وانسان مُثقف رياضي من الطراز الاول مُهتم بالأدب والشعر مُتشرب بالتقوي والصلاح والبركة ، دائماً ما اسمعه يُردد مقولته الشهيرة (ان الطب هو تنمية للقدرات وخدمة للبشرية وتعبداً لله رب العالمين )
جمعتني به الصدفة منذ اكثر من خمسة عشر عاماً ومنذُ ذلك اللقاء نشأت بيننا علاقة صداقة مُميزة ، كنتُ ازوره من فترة لآخري في عيادته ونتجازب أطراف الاحاديث التي تتخللها الكثير من المواقف لا يتسع الوقت لذكرها وأخري نمسك عنها نزولاً لرغبته في عدم الإفصاح عنها الرجل متواضع ذو خُلق جم إنسان فريد يحمل خيراً كثير للناس كتب عنه الكثيرون ممن يعرفون فضله سُرتُ علي دروبهم كتبُ عنه عدة مقالات قبل ان التقيه اُعجبت به من خبر سيرته بين الرُكبان ولكن حينما جلست اليه وجدت الملاك مُتجسداً في شكل بشر
كان لي الشرف ان كنتُ من الاوائل الذين أنْبأهم بالفكرة التي ينوي تنفيذها خارج حدود ولاية الخرطوم التي يُقيم فيها الكشف المجاني للمرضي كل أسبوع مجاناً ، فتح الله عليه بأن يخرج الي الناس في مدنهم البعيدة وحواريهم النائية لمداواتهم وتخفيف آلآمهم ممن يتعزز عليهم الوصول الي العاصمة الخرطوم لتلقي العلاج لعدة عوامل منها الاقتصادية و منها عدم الاهتمام او بُعد المسافات ، حمل علي عاتقه هذا الأمر وتوكل علي الله بالرغم من مسؤلياته الكبيرة التي نعرفها وجلوسه في عيادته الخاصة قُبيل الفجر لاستقبال المرضي من كل فج عميق ، أيدناه وباركنا الخطوة وكانت (انتظرونا جاينكم ) هذا هو إسم القافلةاو المُبادرة التي جابت المدن والحلال والبوادي والفُرقان بشرنا بها وكتبنا مقالاً تعريفياً عنها في أواخر ديسمبر من العام 2016م ثم انطلقت اول قافلة في الاول من يناير /2017م وكانت ضربة البداية هي مدينة سنجة ومن ثم توالت القوافل كل آخر شهر الي كافة الولايات جنوباً وشمالاً شرقاً وغرباً وحققت نجاحاً باهر تفاصيله كثيرة ناتي لذكرها لاحقاً
ما دفعني لكتابة هذا المقال ما طالعته قبل أيام في مقال بقلم البروفيسور ابشر حسين محمد احمد كبير استشاري المخ والأعصاب في السودان يتحدث فيه عن مسؤول المدرسة الذي رفض إلا ان يدفع الطالب ابشر مصاريف الدراسة التي لا يملكها رغم توسل والدته الشول التي دوماً ما يُحدثنا عنها وعن جهادها في تربيتهم واجتهادها في توفير الرعاية الكاملة لهم من عمل يدها حتي اصبح هذا الرقم الذي يُشار اليه بالبنان ، ثم يسرد معاناته ويفتخر بها وبالدروس والعِبر التي خرج بها من تلك التجربة المريرة من المعاناة والتعب والعمل الشاق والوظيفة الادني مستوي في بلدية ام درمان والله لا أستطيع وصفها ولا كتابة اسمها كما ذكرها صراحتاً في مقاله ، هذا الرجل رُجلُ صالح بمعني الكلمة والصفة أن البروف ابشر يتحدث عن والدته بكل فخر واعتزاز وهذا مالا نجده في أي مكان حينما يعتلي الإنسان الأماكن المرموقة ويتبدل حاله ويتوسط الطبقات الاجتماعية الراقية يُغير جلده و كثيراً ما يُحاول الإنسان بطبعه ان يُوحي للمجتمع انه ولد و في فمه معلقةً من ذهب
أبشر مازال يعيش قصة حياته علي نمطها الحقيقي ويتلذذ بها ربيّ عليها أبنائه وعلم بها من حوله من طلابه ومُحبيه تعلمنا منه الكثير عن التواضع وحُسن الخُلق والسير بين الناس بالمعروف
أطلق أسم والدته الشول على بيته الذي اصبح معهد الشول لتنمية القدرات البشرية يرتاده طلاب الطب من الداخل والخارج ينهلون من غزير علمه ويُنداحوا في مكتبته العلمية التي تحتوي علي أقيم الكُتب والمؤلفات الطبية النادرة اذكر في احد الأيام من العام ٢٠١٩م دعاني لحضور ندوة في المعهد كان بها عدد مُقدر من كبار الأطباء المُقيمين في السودان والزائرين ممن هاجر الي دول اخري وجمع غفير من الطلاب سمحوا لي بفرصة للحديث ما كُنت أتوقعها وأنا حضرت لأستمع واستمتع بالندوة ولكن أعجبني كل شئ بداية من اهتمام البروف ابشر بكل التفاصيل من حمل أكواب العصير وتوزيع المشروب للحاضرين بنفسه وقد وثقت تلك اللحظة بأخذ صورة احتفظت بها من شدة إعجابي و دهشتي بالأمر وأنا تعودت علي الاندهاش المُستمر في كل مرة أزوره فيها ، لم يكن لدي ما أقوله في ذلك المحفل ولكني ارتجلتُ بعض الكلمات اذكر أني خاطبت الطلاب وقلت لهم أنكم تملكون جوهرة نادرة عليكم بالاستفادة القُصوي من أبشر إستثمروا كل دقيقة وأنتم في حضرته أسرفوا من نهل المعرفة من هذا المنهل الذي خُصصتم به أن الإسراف في هذا الموضع مُستحب واعلموا ان من يأتي بعدكم ولم يري او يُرافق او يأخذ العلم والعمل عن دكتور ابشر الذي اصطفاكم الله ومنّ عليكم بمرافقته أن من ياتون بعدكم ولم يدركوا هذه النعمة سوف يذرفون الدموع تحسُراً حينما تُخبروهم عن خبره بعد عمراً طويل لكم وله في طاعة الله وخدمة العباد والبلاد
يُتبع
مشاركة الخبر علي :