حديث الساعة إلهام سالم منصور تكتب: البرهان... لا تفاوض، وماذا بعد ذلك؟

حين ينطق القائد العام للقوات المسلحة السودانية، ورئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بكلمةٍ من هذا الوزن — “لا تفاوض” — فإنها ليست مجرّد تصريحٍ عابرٍ في زمن الاضطراب، بل إعلان موقفٍ استراتيجي يعكس حجم إدراك الرجل لما يدور في الساحة، ويؤكد أنه يمسك بزمام الأمور بعقلٍ ووعيٍ وحنكة القائد الذي لا يتحدث إلا حين يكتمل أمامه المشهد بكل تفاصيله.
لقد قالها البرهان بصوتٍ يسمعه الداخل والخارج، بصيغةٍ لا تحتمل التأويل، ليضع النقاط على الحروف في مرحلةٍ حاول فيها البعض جرّ السودان إلى طاولة تفاوضٍ عبثيةٍ مع من لطّخوا أياديهم بدماء الأبرياء ودمروا المدن وشردوا الملايين. كانت كلمته بمثابة إغلاقٍ لباب المساومة على الوطن، وفتحٍ لباب الصمود والعزة والكرامة.
البرهان حين يقول لا تفاوض، فهو لا يرفض السلام العادل، بل يرفض الاستسلام المقنّع، ويضع الكرامة الوطنية فوق كل حساباتٍ سياسيةٍ أو ضغوطٍ خارجية. لأنّ التفاوض لا يكون مع من خان العهد، ولا مع من جعل من الخراب وسيلة لتحقيق أطماعٍ شخصية أو أجنداتٍ خارجية.
فقد أدرك القائد العام أن الحرب على السودان لم تكن مجرد معركة عسكرية، بل حرب وعيٍ وسيادةٍ ومصير، ولذلك اختار أن يكون صوته حاسمًا حتى لا يترك مجالًا للشك أو التردد.
إنّ عبارة البرهان كانت أيضًا رسالة طمأنينة للشعب السوداني، الذي أنهكته الحرب والمؤامرات والدعاية السوداء، مفادها أن السودان في أيدٍ أمينة، وأنّ جيشه لا يفاوض على دماء الشهداء ولا يساوم على تراب الوطن.
فمن ضحّى بروحه في سبيل البلاد لا يمكن أن يُنسى دمه على موائد الساسة أو في دهاليز المساومات الدولية.
لقد حاولت بعض القوى الخارجية — بما في ذلك بعض الدول التي لا تخفي أطماعها — أن تروّج لفكرة “الجلوس مع الجميع” دون تمييز بين الجاني والمجني عليه، لكنّ موقف القيادة السودانية جاء واضحًا، ليقول:
لن يكون هنالك تفاوض مع من حمل السلاح ضد الدولة
بهذا الموقف، رسّخ البرهان معادلة جديدة في الوعي الوطني:
أنّ السلام الحقيقي لا يُبنى على الضعف، بل على القوة والعدالة،
وأنّ الكرامة الوطنية لا تُمنح، بل تُنتزع بثبات الموقف وصلابة الإرادة.
لقد أظهر الرجل أنه قائد الميدان والسياسة معًا، وأنه لم يأتِ ليحكم، بل ليحمي،
ولأنّ القائد الحق هو من يقول لا حين يجب أن تُقال،
فقد كان موقفه هذا بمثابة تجديد للعهد مع الشهداء، وتأكيد أن تضحياتهم لن تذهب هدرًا.
إنّ التاريخ لا يرحم المواقف الرمادية، ولا يخلّد إلا من ثبتوا حين تراجع الجميع.
وفي زمن الفرار الجماعي، بقي البرهان واقفًا، يقاتل من أجل بقاء الدولة، لا من أجل كرسي أو سلطة.
ذلك ما جعل كلمته هذه تُقرأ كوثيقةٍ سياسيةٍ تحمل في طياتها روح الجيش السوداني وتاريخه المجيد، لا مجرد ردٍّ على خصومٍ أو ضغوطٍ دولية.
اليوم، يتساءل الشعب السوداني: وماذا بعد “لا تفاوض”؟
الجواب يأتي من الميدان: بعدها يأتي الحسم، يأتي النصر، يأتي فجر السودان الجديد،
السودان الذي لا يُدار من الخارج ولا يُرتهن للمصالح،
السودان الذي يكتب أبناؤه تاريخه بدمائهم وصبرهم.
“لا تفاوض” ليست نهاية الكلام، بل بدايته.
بداية مرحلةٍ عنوانها السيادة أولًا، والكرامة دائمًا، والوفاء للشهداء قبل أي شيء.
ومن قلب العاصفة، يبقى صوت البرهان صادقًا، يقول لكل سوداني:
لا يساوم.”
وهكذا، يبقى السودان رغم الجراح، شامخًا بين الأمم،
بجيشه الباسل، وبقيادته التي آثرت الوطن على الذات،
وبشعبه الذي علّم العالم معنى الصبر والإيمان والثبات.
دعوة للوحدة والاصطفاف الوطني
إن المرحلة الراهنة تستوجب منّا جميعًا — حكومةً وشعبًا، مدنيين وعسكريين، إعلاميين ومثقفين — أن نتوحد خلف قواتنا المسلحة الباسلة، فهي السور الأخير الذي يحمي السودان من التفكك والضياع.
إنّ كل كلمة دعم، وكل جهد صادق، وكل قلمٍ يكتب للحقيقة، هو رصاصة في صدر الفتنة، وخطوة في طريق النصر.
فلنقف صفًا واحدًا خلف جيشنا وقيادتنا، لأنّ الأوطان لا تُبنى بالحياد، بل بالثبات،
ولأنّ السودان يستحق أن نكون له كما كان لنا دائمًا: وفاءً، وإيمانًا، وصمودًا.
مشاركة الخبر علي :
