د.سعاد فقيري تكتب: الملحقية الطبية بالقاهرة:
ورشة إنجازات أم ورشة قصور؟ — قراءة تحليلية في غياب الجالية وتجاهل خريجي السودان بمصر.
مقدمة موجزة:
انعقاد ورشة «استعراض الأداء والرؤية المستقبلية للملحقية الطبية بسفارة جمهورية السودان بالقاهرة» برعاية السفير وتشريف وزير الصحة الاتحادي خطوة إيجابية على مستوى الشكل، لكن النصّ المكشوف عن فعاليات الورشة يضع أمامنا سؤالاً مركزياً: إلى أي مدى ترجمت هذه الورشة احتياجات الواقع المعيشي للخدمات الصحية للسودانيين في مصر، وبالأخص خريجي الجالية الشباب الذين يعانون من مشكلات عملية ومؤسسية؟ هذا المقال يحلل القصور الظاهري والبنيوي ويقدّم توصيات عملية قابلة للتنفيذ.
النقاط الأساسية للقصور (تحليل)
1. غياب تمثيل واضح للجالية والمخرجات (الخريجون):
نص الورشة يشير إلى «مشاركة واسعة من قيادات القطاع الصحي» لكن لا يذكر تمثيلاً فعّالًا لممثلي الجالية السودانية أو لخريجي الجامعات السودانية/المهنيين السودانيين المقيمين في مصر. غيابهم يعني فقدان صوت هام يمثّل التجارب اليومية واحتياجات الوصول للعلاج والعمل والاعتراف بالشهادات.
2. انفصال بين صانعي القرار والمستفيدين على الأرض:
حضور قيادات الصناديق والإدارات مهم، لكن إذا لم تُصمَّم البرامج بالتشاور مع المستفيدين ستبقى حلولًا «مركزية» لا تعالج مشكلات محلية مثل اعتماد الشهادات، الاعتراف بالخبرة، أو صعوبات التسجيل في نظم التأمين المصرية أو السودانية.
3. نقص آليات المتابعة والتقييم:
الورشة اختتمت بتوصيات وموجهات، لكن لا توجد إشارة إلى آلية متابعة زمنية أو مؤشرات قياس أداء أو جهة مسؤولة عن التنفيذ والمتابعة، وهذا يجعل التوصيات عرضة لـ«الاستعراض» فقط دون تحويلها لنتائج ملموسة.
4. غياب الشفافية في الاستفادة من المشاريع التمويلية:
ذكر مشاريع مثل «عافية» ومبادرات علاجية بتمويل خارجي جيد، لكن من غير الواضح آلية الاستفادة (معايير الاستحقاق، عدد المستفيدين، آلية اختيار الحالات، الشفافية في الصرف). غياب هذه التفاصيل يفتح الباب للشكاوى وعدم الثقة.
5. ضعف التواصل والإعلام الموجّه للجالية:
إذا لم تكن نتائج الورشة ومآلات التوصيات متاحة بسهولة بلغة مفهومة وبقنوات تصل للجالية (سفارة، مجموعات، نوافذ إلكترونية)، ستفشل مبادرات جيدة في الوصول إلى من يحتاجها.
6. تجاهل قضايا الخريجين العملية والمهنية:
أسئلة المستخدم حول «هل اجتمع الوزير مع الخريجين؟ هل أدرك معاناتهم؟» تعكس نقطة حقيقية:
كثير من الخريجين يواجهون مشاكل اعتماد الشهادات، فرص عمل، تسجيل في نقابات أو جهات مهنية — ولا يبدو أن هذه الملفات كانت محورًا مركزياً.
7. اعتماد كبير على الحلول المؤقتة بدلاً عن حلول مؤسسية مستدامة:
مبادرات علاجية بتمويلات خارجية مهمة لكنها مؤقتة؛ المطلوب بناء نظم وطنية/قنصلية مستدامة لخدمات صحية واجتماعية.
آثار القصور على المواطنين (مترتّبة)
استمرار المعاناة الفردية (تكاليف علاج مرتفعة، صعوبات في الحصول على خدمات روتينية).
فقدان الثقة في مؤسسات التمثيل الخارجي إذا لم تُظهِر نتائج ملموسة.
تهميش الخريجين الشباب، ما يعني هدر موارد بشرية مؤهلة يمكن أن تساهم في خدمة الجالية والوطن.
عزوف المنظمات المانحة عن دعم مشاريع مستقبلية إذا لم تُظهر شفافية ومتابعة.
توصيات عملية وفورية (قابلة للتطبيق)
1. دعوة شاملة ومعلنة لتمثيل الجالية والخريجين في جلسة متابعة خلال 30 يومًا:
تشكيل لجنة تمثل:
الملحقية، ممثلين عن الجالية (4-6 أشخاص)، ممثلين عن الخريجين/الخريجات، وممثل عن وزارة الصحة.
هدف اللجنة:
تحويل التوصيات إلى خطة عمل بـمواعيد وأهداف وموزعة المسؤوليات.
2. نشر تقرير تنفيذي شفاف عن مشروع «عافية» ومبادرات العلاج:
يتضمن: عدد المستفيدين، معايير استحقاق، آلية الاختيار، ميزانية مصروفة، خطة توسعة أو استمرارية.
3. خطة للاعتراف بالشهادات وتسهيل توظيف الخريجين:
نافذة مهنية إلكترونية في الملحقية لتسجيل الخريجين، تصنيف احتياجاتهم (اعتماد، تدريب، فرص عمل)، وتسهيل الربط مع النقابات والمستشفيات المصرية أو منظمات سودانية.
4. آلية متابعة ومؤشرات أداء واضحة:
أمثلة مؤشرات:
نسبة الحالات المحلولة شهريًا، زمن استجابة الملحقية للطلبات، عدد بطاقات «عافية» المفعلة، عدد جلسات التدريب/التوظيف للخريجين. نشر هذه المؤشرات ربعياً.
5. إطلاق حملة اتصال تفاعلية:
بث موجزات دورية بالفيديو أو نصًا عبر قنوات محددة تشرح ما تم إنجازه وكيفية الاستفادة، مع خط ساخن أو بريد إلكتروني مخصّص للشكاوى والاقتراحات.
6. تعزيز الشراكات المحلية:
اتفاقيات مع مستشفيات قطاع خاص/جامعي في القاهرة لتقديم خصومات أو حصص للخريجين والمرضى السودانيين، مع بروتوكولات تحويل واضحة.
7. جلسة استماع خاصة بالخريجين مع الوزير أو ممثّله:
جلسة موثّقة تُعطى فيها الفرصة للخريجين لعرض معاناتهم ومقترحاتهم، وتصدر عنها قرارات قابلة للمتابعة.
مؤشرات نجاح قصيرة ومتوسطة الأمد
خلال 3 أشهر:
إنشاء نافذة إلكترونية لتسجيل المستفيدين والخريجين، ونشر التقرير التنفيذي لـ«عافية».
خلال 6 أشهر:
اتفاقية شراكة مع مستشفى/مركز علاجي واحد على الأقل لتوفير خدمات بأسعار مخفضة، ونشر أول تقرير أداء ربع سنوي.
خلال 12 شهرًا: نظام اعتماد/معادلة مبسّط أو دليل إجرائي يساعد 50–100 خريجًا على التسجيل أو الاعتراف بشهاداتهم أو الحصول على فرص تدريب/عمل.
خاتمة:
الورشة التي انعقدت بالقاهرة تحمل عناصر إيجابية واضحة—اهتمام رسمي ومشروعات تمويلية—لكن القيمة الحقيقية تُقاس بمدى تأثير هذه الورشة على حياة المواطن الخريج والمريض السوداني في الشارع.
غياب تمثيل الجالية والخريجين وقصور آليات المتابعة والشفافية يحوّل ورشة مفترض أن تكون مدماكًا للتطوير إلى عرض بروتوكولي بلا أثر دائم. التنفيذ يتطلب الآن خطوات عملية شفافة ومشاركة حقيقية من الجالية وتحويل التوصيات إلى مؤشرات قابلة للقياس.
مشاركة الخبر علي :
