د.سعاد فقيري تكتب: أطباء على رصيف الانتظار.. وطنٌ لا يسمع أنين أبنائه
في الوقت الذي تتحدث فيه التصريحات الرسمية عن دعم القطاع الصحي وتوسيع آفاق التعاون بين السودان ومصر، يقف عشرات الأطباء السودانيين خريجي الجامعات المصرية على رصيف الانتظار الطويل منذ أكثر من أربعة أعوام، يحلمون فقط بفرصة عادلة لمزاولة مهنتهم في وطنهم أو حتى الحصول على ترخيص مؤقت يتيح لهم خدمة أبناء جلدتهم.
إنها مفارقة مؤلمة أن يزور وزير الصحة الاتحادي السفير السوداني في القاهرة للبحث في "سبل دعم القطاع الصحي"، بينما في الوقت ذاته تئنّ طاقات وطنية جاهزة من الإهمال الإداري والجمود المؤسسي. شباب درسوا الطب بتفوق، وتحمّلوا الغربة ونفقات الدراسة، ليجدوا أنفسهم اليوم بلا اعتراف، بلا فرصة، وبلا إجابة واضحة عن سؤالهم البسيط: إلى متى؟
الحديث عن "تعزيز الخدمات الصحية" يبدو ناقصًا حين تُنسى الكوادر البشرية التي هي أساس كل منظومة صحية.
فكيف يُبنى دعم حقيقي والباب مغلق أمام الأطباء الشباب؟ كيف نبحث عن شراكات خارجية ونحن نعجز عن إطلاق طاقات أبناء الداخل والخارج؟
هؤلاء الأطباء لا يطالبون بمنحة ولا بامتيازات، بل بحق أصيل: الاعتراف بجهدهم العلمي وإتاحة المجال لهم لخدمة وطنهم، في وقت يعاني فيه السودان من نقص حاد في الكوادر الصحية بسبب الحرب والنزوح والهجرة الجماعية للأطباء.
لقد آن الأوان لأن يُسمع صوت هؤلاء، وأن تتحول اللقاءات الرسمية من مجاملات بروتوكولية إلى قرارات تنفيذية جريئة تضع أبناء السودان في مقدمة أولويات الدولة، قبل الحديث عن دعم أو شراكة مع الآخرين. فالأوطان لا تُبنى بالتصريحات، بل بالعقول والأيدي التي تؤمن بأن الانتماء لا يُكافأ بالتجاهل.
الخاتمة:
نداء من الرصيف
إلى السيد وزير الصحة الاتحادي، وإلى مجلس التخصصات الطبية، وإلى كل مسؤول يحمل في قلبه ذرة من مسؤولية وطنية:
هؤلاء الأطباء ليسوا أرقامًا في ملفات مهملة، بل أمل وطنٍ ينزف ويحتاج لمن يضمد جراحه.
أربع سنوات من الانتظار كفيلة بأن تُهزم فيها الأحلام، وتهاجر الطاقات، وتبرد جذوة الانتماء.
فلا تجعلوا من صمتكم شهادة وفاة لطموحاتهم، ولا تتركوا الوطن يفقد أبناءه مرتين: مرة حين يهاجرون طلبًا للعلم، ومرة حين يعودون فلا يجدون مكانًا بينهم.
أعيدوا إلى هؤلاء الأطباء حقهم في الترخيص، وامنحوهم شرف الخدمة.
فربما كان في أياديهم الشفاء لوطنٍ أنهكه الجرح وملّ الانتظار.
*القاهرة
مشاركة الخبر علي :
