أجيال أمل عمر حميد عندما تضع الحرب أوزارها... هل نستطيع استرداد طفولتنا المغتصبة؟
نحن جيلٌ وُلِد في زمنٍ اختلط فيه البكاء بأصوات المدافع، وتعلّم الأبجدية على وقع القصف والنزوح. جيلٌ لم يعرف معنى الطفولة كما يجب، ولم يجد في مدرسته سوى خيمةٍ مهترئة، وفي لعبته سوى حجرٍ أو علبةٍ فارغة، وفي أحلامه وطنًا يبحث عنه في خرائط اللجوء.
لقد سرقت الحرب منّا براءتنا، وبدّلت ضحكتنا بملامح الشقاء المبكر. كبرنا قبل أواننا، وحملنا على أكتافنا ذاكرةً مثقلة بالدم والدموع. رأينا الأمهات وهنّ يودعن أبناءهن، والآباء يرحلون نحو المجهول، والبيوت تتحوّل إلى رماد. كأن الطفولة كانت جريمةً، وكأن الحلم ترفٌ لا يليق بنا.
طفولة بين النزوح واللجوء
ما بين مخيمات النزوح وحدود اللجوء، تاهت أحلامنا الصغيرة. لم يكن هناك مكانٌ للعب، ولا دفءٌ يحتضننا في ليالي البرد الطويلة. كانت دفاترنا تمتلئ بالغبار بدل الحروف، وملابسنا تحمل رائحة الطريق أكثر من رائحة الطفولة.
ومع ذلك، كنا نكبر على أملٍ غامضٍ بأن الغد سيأتي — غدٌ يعيد لنا حقنا في الحياة والضحك والتعليم والكرامة.
هل يمكن استرداد الطفولة؟
حين تضع الحرب أوزارها، سيسأل التاريخ سؤالنا المؤلم: هل يمكن أن نسترد طفولتنا المغتصبة؟
الجواب ليس سهلاً. فالطفولة ليست مجرد عمرٍ ضائع، بل هي روحٌ مكسورة تحتاج إلى شفاء طويل.
استعادتها لا تكون بالعودة إلى المنازل فقط، بل بإعادة بناء الإنسان نفسه — نفسياً وتعليمياً واجتماعياً.
نحتاج إلى مدارس جديدة لا تُعلّم القراءة فقط، بل تعلّم السلام. نحتاج إلى وطنٍ يعترف بألم أطفاله ويمنحهم فرصة البدء من جديد.
جيل الأمل رغم الألم
نحن جيل الحرب، نعم، لكننا أيضًا جيل الأمل. تعلمنا أن نزرع في الركام زهرةً، وأن نحمل في ظلام الخيام شمعةً لا تنطفئ. نحن الذين خرجنا من رماد المأساة نحمل في صدورنا وعدًا بأن نبني وطنًا لا يخاف من الحب ولا يهرب من المستقبل.
قد لا نستطيع أن نعيد كل ما ضاع، لكننا نستطيع أن نمنع ضياع ما تبقّى، وأن نمنح أطفال الغد ما حُرمنا نحن منه: طفولة آمنة ووطنٌ يحتضنهم.
الثلاثاء 4نوفمبر 2025
مشاركة الخبر علي :
