د. سعاد فقيري تكتب: السودان بين البعد الإقليمي وحرب الوكالة: من ضياع السيادة إلى معركة استعادة القرار الوطني
مقدمة:
لم تعد الحرب في السودان شأنًا داخليًا يمكن حصره بين طرفين متنازعين على السلطة، بل تحولت إلى صراع إقليمي متعدد الأوجه والمصالح. إن ما بدأ كخلاف عسكري – سياسي سرعان ما اكتسب أبعادًا تتجاوز الحدود الوطنية، لتصبح الحرب أداةً في يد قوى خارجية تسعى لتحقيق مكاسبها عبر "حرب بالوكالة"، تُدار بدماء السودانيين وعلى أرضهم.
أولاً: البعد الإقليمي للصراع
منذ اندلاع الحرب، بدأت أطراف إقليمية تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر، بعضها بدافع الخوف من تمدد الفوضى إلى أراضيها، والبعض الآخر بدافع الطموح للهيمنة على مفاصل النفوذ في القرن الإفريقي والبحر الأحمر.
لقد أصبحت السودان حلقة مركزية في تنافس إقليمي محتدم، يتصل بخطوط التجارة والطاقة والهجرة غير الشرعية، فضلًا عن موقعه الجيوسياسي الحساس الذي يربط بين شمال إفريقيا وشرقها ومنطقة الساحل.
فكل طرف خارجي بات يمدّ خيوطًا داخل المعادلة السودانية، سواء بالدعم العسكري أو السياسي أو الإعلامي، في محاولة لتوجيه مسار الحرب بما يخدم مصالحه الاستراتيجية. وهنا تكمن الخطورة الكبرى، إذ يتحول النزاع من صراع وطني إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية.
ثانيًا: حرب الوكالة..
الوجه الأخطر للنزاع
مفهوم "حرب الوكالة" يعني أن تتصارع الدول أو القوى الكبرى عبر وكلاء محليين، دون الدخول في مواجهة مباشرة. وفي الحالة السودانية، بات هذا المفهوم واقعًا ملموسًا؛ حيث يتلقى بعض الفاعلين دعمًا من أطراف إقليمية مختلفة، بينما تُستخدم موارد البلاد ومعاناة شعبها كورقة ضغط في صراع النفوذ.
هذا النمط من الحروب يُضعف الدولة من الداخل، ويقضي على فكرة السيادة الوطنية، لأن القرار السوداني يصبح رهينة لممولي الحرب وداعميها الخارجيين. كما يؤدي إلى تآكل النسيج الاجتماعي وخلق أجيال تعيش في بيئة معسكرة، تُغذى فيها الكراهية والانقسام العرقي والسياسي.
ثالثًا: انعكاسات البعد الإقليمي على مستقبل السودان
إن استمرار الحرب بهذه الصيغة الإقليمية يهدد بتفكيك الدولة السودانية إلى كيانات صغيرة، وربما بجرّ البلاد إلى نزاعات حدودية مع الجيران.
كما أن تزايد التدخلات الخارجية يُفقد البلاد القدرة على صياغة حلول وطنية، ويُحبط جهود المصالحة الداخلية، لأن كل طرف خارجي يفضّل بقاء الأزمة في حدود “التحكم” الذي يضمن مصالحه.
وهكذا، تتحول الحرب إلى حلقة مفرغة تُغذي نفسها باستمرار الدعم الخارجي، وتُطيل أمد النزاع على حساب التنمية والاستقرار.
رابعًا: استعادة القرار الوطني.. ضرورة وجودية
المخرج الوحيد من هذا النفق المظلم هو تحصين القرار السوداني من التبعية الإقليمية. وهذا يتطلب توافقًا وطنيًا حقيقيًا بين القوى السياسية والعسكرية والمدنية على رؤية مشتركة للسلام، تضع مصلحة السودان فوق كل اعتبار.
كما أن بناء تحالفات إقليمية متوازنة تقوم على الندية والمصالح المشتركة وليس على التبعية أو المقايضة السياسية، هو السبيل لإعادة مكانة السودان في محيطه العربي والإفريقي .
خاتمة:
لقد أخذت الحرب في السودان بعدًا إقليميًا خطيرًا، وأصبح المهدد الأول لسيادة الدولة هو حرب الوكالة التي تُدار على أرضها. وإذا لم يتوحد السودانيون حول مشروع وطني جامع، فإنهم سيجدون أنفسهم أسرى لمصالح الآخرين.
إن معركة السودان الحقيقية اليوم ليست فقط في ميادين القتال، بل في استعادة قراره الوطني المستقل، وصياغة مستقبلٍ يُبنى بأيدي السودانيين ولخدمة السودان وحده.
مشاركة الخبر علي :
